بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
السلسلة الثالثة ..
وأما حصولها بالقوة الباصرة فذلك أيضا ً باطل لأنه لا إرتياب في أنها قاصرة عن إدراك الصغير من البعيد، فإن أصغر الكواكب مما في الفلك الثامن وهو الذي يمتحن به حدة البصر مقداره بمقدار كرة الأرض بضع عشرة مرة وعظم كرة الأرض أكبر من كرة عطارد ، ولو تكوكب الفلك الأعظم التاسع بكواكب على قدر الكوكب الصغير المذكور من الثوابت لما أمكن للحس إدراكه أصلا ً فضلا ً عما يكون قدره على مقدار عطارد أو أصغر منه ، وعلى هذا التقدير يمكن أن يكون في السماوات كواكب كثيرة فعالة ، وإن كنا لانعرف وجودها فضلا ً عن أن نعرف طبائعها ، وقد ثبت عن أهل الرصد أنه بقي في الفلك سوى الكواكب المرصودة كواكب كثيرة لم ترصد ، إما لفرط صغرها او لخفاء آثارها ، ولا شك أن الوقوف على طبائعها متعذر .
فلا أحد يستطيع الحكم بالتنجيم ، إلا بعد رصد جميع الكواكب ومعرفة طبائعها ومزاجها والدرجات التي بينها ، وهذا متعذر في إمكانيات البشر لحدود إطلاعهم ، فهو علم كثيره لا يدرك وقليله لا ينفع ولهذا ورد في الروايات الني عن إستماع المنجم لأنه يحكم على معرفته القليلة التي غالبا ً ما تكون خطأ ، فعن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في حديث قال : أيها الناس إياكم وتعلم النجوم إلا ما يهتدى به في بر أو بحر ، فإنها تدعو الكهانة والكاهن كالساحر والساحر كالكافر والكافر في النار ، وقوله ( عليه السلام ) تدو إلى الكهانة أي تبديل نتائج الكواكب الصحيحة إلى خاطئة لجهله بها إعتمادا ً على مزاجه أو ماتخبر الشياطين له .
أما الروايات فقد دلت أن هذا العلم منحصر عند من أطلعه الله على علمه وهم أمناء وحيه وخزان علمه المعصومون ( عليه الصلاة والسلام ) .
فعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : في السماء أربعة نجوم لا يعلمها إلا أهل بيت من العرب وأهل بيت في الهند ، والمراد بالعرب أوصياء محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كما أن المراد ببيت في الهند أوصياء إدريس ( عليه السلام ) .
وعن سعيد بن جبير قال : أستقبل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) دهقان من دهاقين الفرس ، فقال له بعد التهنية يا أمير المؤمنين تناحست النجوم بالطالعات وتناحست السعود بالنحوس ، وإذا كان مثل هذا اليوم وجب على الحكيم الإختفاء ويومك هذا يوم صعب قد إنقلب فيه كوكبان ، وانقدح من برجك النيران وليس لك الحرب بمكان ، فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ويحك يا دهقان المنبئ بالآثار المحذر من الأقدار ، ماقصة صاحب الميزان وقصة صاحب السرطان ؟ وكم المطالع من الأسد ، والساعات من المحركات وكم بين السواري والدراري ؟ قال سأنظر ، وأومأ بيده إلى كمه وأخرج منه إسطرلابا ً ينظر فيه فتبسم ( عليه السلام ) فقال : أتدري ماحدث البارحة وقع بيت بالصين وانفرج برج ماجين وسقط سور سرانديب ، وانهزم بطريق الروح بأرمينة ، وفقد ديان اليهود بأيله ، وهاج النمل بوادي النمل ، وهلك ملك إفريقية ، أكنت عالما ً بهذا ، قال : لا يا أمير المؤمنين ، فقال : البارحة سعد سبعون ألف عالم وولد في كل عالم سبعون ألفا ً ، والليلة يموت مثلهم وهذا منهم وأومأ بيده إلى سعد بن مسعدة الحارثي ( لعنه الله ) وكان جاسوسا ً للخوارج في عسكر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فظن الملعون أنه يقول خذوه ، فأخذ بنفسه فمات ، فخر دهقان ساجدا ً ، فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ألم أروك من عين التوفيق قال : بلى يا أمير المؤمنين ، فقال : أنا وأصحابي لا شرقيون ولا غربيون نحن ناشئة القطب وأعلام الفلك ، أما قولك أنقدح من برجك النيران فكان الواجب أن تحكم به لي لا علي َّ ، أمان نوره وضياؤه فعندي وأما حريقه ولهبه فذاهب عني ، وهذه مسألة عميقة أحسبها إن كنت حاسبا ً .